طالب من الخليل يفوز بالمرتبة الأولى في المسابقة العلمية للطلاب العرب في الجامعات والمعاهد العليا
رغم سيل الآلام والجراحات والمعاناة التي مر بها الشعب الفلسطيني طوال العقود الماضية، إلا أنها لم تضعف من عزيمة أبنائه وتصدّهم عن التقدم والنجاح، وترغمهم على التخلي عن العلم مفتاح تقدم الأمم وبناء الحضارات، فاستطاع أبناء الشعب الفلسطيني على مر هذه العقود من المعاناة أن يتعالى على جراحه، ويثبت أنّه في طليعة الشعوب في شتى نواحي الحياة.
واستمرارا لنجاحات أبناء فلسطين في طريق العلم، فاز الطالب معاذ محمد أبو عرقوب من قرية دورا جنوب الخليل، بالمرتبة الأولى في المحور السياسي من المسابقة العلمية للطلاب العرب في الجامعات والمعاهد العليا في دورتها الثامنة عشرة، التي أقيمت في الفترة من 23-30 تموز/يوليو بجامعة ناصر الأممية في الجماهيرية العربية الليبية تحت شعار "من أجل فكر وعلم وأدب وفن يخدم الأمة العربية".
وأوضح أبو عرقوب أنّه شارك في هذه المسابقة ممثلاً عن دولة فلسطين في المحور السياسي، بمساعدة من جامعة بوليتكنيك فلسطين التي يدرس فيها للسنة الدراسية الثالثة في تخصص نظم المعلومات الإدارية، مشيراً إلى أن المسابقة تضم عددا من المحاور إلى جانب المحور السياسي، "فهناك محور علمي وأدبي واقتصادي وفني، يشارك فيها عدد من طلبة الجامعات العربية والطلاب العرب في الجامعات العربية".
ونوه أبو عرقوب أن البحث الذي تقدم به حاز على المرتبة الأولى من بين 230 بحثاً شاركت في المسابقة في كافة المحاور، مشيرا إلى إعجاب الأساتذة المناقشين ببحثه وإشادتهم به، مؤكدين على أنّه تضمن عددا من الإضافات العلمية المهمة، وقررت الجامعة بناء على ذلك طباعة هذا البحث في كتاب إلى جانب عدد من الأبحاث التي حازت على مراتب متقدمة.
وأضاف أن البحث فاز بالمرتبة الأولى من بين أبحاث طلبة الماجستير رغم أنه ما زال في مرحلة البكالوريوس، مشيرا إلى أن ذلك جاء نتيجة اعتبار الأساتذة المناقشين بأن البحث يصلح لأن يكون رسالة ماجستير، ونظرا لأنه تضمن إضافتين علميتين في مجال المشاركة السياسية للشباب.
وقدم أبو عرقوب تفصيلا للبحث في عشرة دقائق أشار فيها إلى الإضافتين العلميتين، أولهما: صور المشاركة السياسية للشباب خارج الأطر المعروفة في علم الاجتماع السياسي، وهي المشاركة على الانترنت من خلال المنتديات والمدونات والمحادثات الالكترونية وشبكات البريد الالكتروني، واتضح من الرصد والمتابعة أن تلك المشاركة كانت إحدى وسائل دعم الشعب الفلسطيني في معاناته اليومية من خلال كتابة آلاف الرسائل، وترجمتها إلى لغات مختلفة وتوزيعا على ملايين العناوين الالكترونية.
وقد خلص البحث في هذه النقطة إلى نتيجة مؤداها أن هناك العديد من الكتاب المشهورين في المجال السياسي، نالوا شهرة أكبر من العديد من الكتاب الكبار في الصحف والمجلات المطبوعة، معللا ذلك بتزايد الاستخدام الواسع لشبكة الانترنت في العالم العربي بالإضافة إلى سقف الحرية العالي، الذي تتمتع به الشبكة الالكترونية بالمقارنة مع وسائل الإعلام التقليدية.
وعن الإضافة العلمية الأخرى فقال أبو عرقوب: إنها كانت تحت بند التنشئة السياسية للشباب، فوجد البحث أن العديد من الشباب قد تشكل وعيهم وخبرتهم السياسية من خلال مواقع الانترنت، بل إنهم لم يتوقفوا عند مناقشة القضايا المحلية، ولكنهم اتجهوا للحديث في قضايا عالمية، وإلى جانب ذلك خلص البحث في هذه النقطة إلى نتيجة مهمة وهي أن الشباب وجدوا لهم متسعا لينتموا إلى منظمات عابرة للحدود لها مواقع على "الانترنت"، بل إن هذا الانتماء يفوق الانتماء إلى المنظمات الأهلية الموجودة على أرض الواقع، مثل منظمة السلام الأخضر والمنظمات المضادة للعولمة ومنظمة القاعدة.
كما أشار أبو عرقوب إلى أن البحث قد تضمن عديدا من القضايا المهمة، أبرزها أهمية المشاركة السياسية للشباب كعنصر من عناصر التنمية في أي مجتمع، ولذلك، فإن مشاركة الشباب في العمل السياسي حظيت بالاهتمام في القترة الأخيرة نظرا لأهميتها، مردفا القول: إن أهمية هذه المشاركة في الحالة الفلسطينية تنبع من أن المجتمع الفلسطيني هو من المجتمعات الفتية، حيث إن غالبية السكان من فئة الشباب.
وخصص أبو عرقوب الفصل الأخير من بحثه للحديث عن تجربة الشباب الفلسطيني في العمل السياسي، واستعراض صور هذه المشاركة على امتداد التجربة الفلسطينية، حيث يشير إلى أنها انطلقت بداية من تأسيس اتحاد طلبة فلسطين الذي تأسس في الخارج لدعم مشاركة الشباب في العمل السياسي الفلسطيني في حينه، ثم امتدت المشاركة إلى الداخل مع انتشار اللجان الشعبية في أنحاء فلسطين، وتوسعت مع بدء المشاركة من قبل طلبة الجامعات الفلسطينية بنظام الكتل الطلابية التي مثلت الفصائل الفلسطينية الرئيسة، وكانت هذه الكتل الرافد الأول للمنظمات الفلسطينية بالقيادات السياسية والفكرية، وحتى العسكرية التي اعتبرها البحث أرقى أنواع المشاركة السياسية.
وأضاف أن المشاركة تمددت في فترة الانتفاضة الأولى حيث لعب الشباب فيها دورا بارزا، وكانوا مؤثرين بدرجة كبيرة على حركة الشارع، وقاموا بفرض واتخاذ العديد من القرارات السياسية التي كان لها أثر كبير على مجريات الأحداث، وأخيرا وصل الامتداد الأوسع لمشاركة الشباب مع الانتفاضة الثانية، فكان الشباب هم المشاركون الرئيسيون في كل الجوانب سياسياً وإعلامياً وعسكريا. وهنا يشير إلى أن هذه التقلبات الحاصلة في التجربة الفلسطينية عبر تاريخها جعلت مهمة البحث والدراسة لهذا المجال صعبة للغاية في ظل ظروف الاحتلال والتشرد.
وقيم أبو عرقوب المشاركة السياسية للشباب الفلسطيني بأن تجربتهم عريقة وتستحق الدراسة. وأن الشباب كان لهم حضور بارز في كل المفاصل التاريخية التي مرت بها القضية الفلسطينية، ولذلك كانت الفصائل حريصة جدا على المحافظة على عنصر الشباب فيها، من أجل الإبقاء على حركية وحيوية المنظمة إلى جانب تجديد الدم فيها.
ورأى أبو عرقوب أن هناك العديد من العوائق التي تعوق المشاركة الأكثر فعالية للشباب الفلسطيني، وأهمها نظرة المؤسسات الرسمية والأهلية إلى الشباب على أنهم أدوات للتنفيذ لخطط وبرامج معدة مسبقا، ولا ترى فيهم القدرة على المبادرة ووضع البرامج والخطط التي تنهض بهذه المؤسسات، وبالتالي النهوض بالمجتمع بكامله، ولذلك وجه أبو عرقوب نداء إلى هذه المؤسسات لإشراك الشباب في العمل المؤسسي كمخططين وواضعين للسياسات والبرامج، موضحا أن الشباب وإن كان أداة فعالة في التنفيذ فإنه لا يتقن عملا غير واع أو مقتنع به.
وأوضح أبو عرقوب أن تجربته داخل السجن لعدة مرات قضى أطولها لمدة لسنة ما بين عامي 2002 و 2003 لفتت انتباهه إلى ضرورة دراسة هذه القضية، حيث إن النسبة الأكبر من السجناء الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال هم الشباب، وهم بالدرجة الأولى المشاركون في العمل السياسي أو العسكري، والتقى خلال هذه التجربة بالشباب الذين كان لهم دور بارز في الحركة الشبابية في الانتفاضتين الفلسطينيتين، ولذلك منذ أن علم بالمسابقة تقدم للمشاركة فيها وأعد بحثه في هذا المجال خلال ثلاثة أشهر ليفوز بالمرتبة الأولى عن جدارة
البوابة 
