العاطفة والحب، والمودة والرحمة بين الزوجين دعامة أساسية لاستمرار الحياة الزوجية ونجاحها، وهذا الأمر واضح وجلي في حياة وهدي النبي - صلى الله عليه وسلم ـ، ومع كثرة أعباء الرسالة والدعوة والدولة فقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ زوجا محبا، جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم .
لقد عاش النبي - صلى الله عليه وسلم - مع زوجته [color:692b=800000]عائشة - رضي الله عنها - في حجرة لا تتجاوز مساحتها خطوات معدودات، وكان يمر عليهما شهران ولا يوقد في بيتهما نارٌ، ومع ذلك أشعَّ بين جدران هذه الحجرة الحبّ في أعلى وأطهر صورِه، والذي كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعبر ويفصح عنه دون حرج، فعن [color:692b=800000]عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: ([color:692b=008000]يا رسول الله، من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قال: من الرجال؟ قال: أبوها ) رواه[color:692b=800000]البخاري .
وعن [color:692b=800000]عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( [color:692b=008000]أرسل أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ [color:692b=800000]فاطمة بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فاستأذنت عليه وهو مضطجع في مرطي، فأذن لها، فقالت: يا رسول الله، إن أزواجك أرسلنني يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، ـ وأنا ساكتة ـ ، قالت: فقال لها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أي بنية، ألست تحبين ما أحب؟، فقالت: بلى، قال: فأحبي هذه ) رواه [color:692b=800000]مسلم .
ولذلك كان [color:692b=800000]مسروق - رحمه الله - إذا روى عن أم المؤمنين [color:692b=800000]عائشة ـ رضي الله عنها ـ قال: " عن الصدِّيقة بنت الصدِّيق، حبيبة رسول رب العالمين ".
ولما خيَّر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نساءه في البقاء معه، امتثالاً لأمر الله تعالى: { [color:692b=0000ff]قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا }(الأحزاب: 28: 29)، بدأ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ [color:692b=800000]بعائشة ـ رضي الله عنها ـ كما في حديث [color:692b=800000]جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: ( [color:692b=008000]فبدأ [color:692b=800000]بعائشةَ فقال: يا [color:692b=800000]عائشة! إني أريدُ أن أعرضَ عليكِ أمرًا أُحبُّ أن لا تَعجلي فيه حتى تستشيري أبويْك، قالت: وما هو يا رسول الله؟!، فتلا عليها الآيةَ، قالت: أفيك يا رسول الله استشيرُ أبوي؟، بل أختارُ اللهَ ورسوله والدار الآخرة، وأسألك أن لا تُخْبِر امرأةً من نسائك بالذي قلت، قال: لا تسألْنِي امرأةٌ منهن إلا أخبرتُها، إن الله لم يبعثني معنِّتًا ولا متعنِّتًا، ولكن بعثني معلِّمًا ميسِّرًا ) رواه [color:692b=800000]مسلم .
ومع كثرة أعبائه ومسئولياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يلاطف [color:692b=800000]عائشة ـ رضي الله عنها ـ، ويداعبها ويمازحها، فعن [color:692b=800000]عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( [color:692b=008000]كنتُ أتَعرقُ العظم ( آكل منه بأسناني )[color:692b=008000] وأنا حائض وأعطيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ- فيضع فَمَهُ في الموضع الذي فيه وَضعتُهُ، وأشرب الشراب فأنَاوِلَهُ، فيضع فمه فِي الموضع الذي كنتُ أشرب منه ) رواه [color:692b=800000]مسلم.
وروى [color:692b=800000]مسلم في صحيحه عن [color:692b=800000]عائشة - رضي اللَّه عنها - أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( [color:692b=008000]يا [color:692b=800000]عائش[color:692b=008000]، هذا جبريل، يقرأ عليك السلام، قالت: وعليه السلام ورحمة اللَّه وبركاته ) .
وعن [color:692b=800000]عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( [color:692b=008000]كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء بيني وبينه، فيبادرني حتى أقول: دعْ (أترك)[color:692b=008000] لي، دع لي ) رواه [color:692b=800000]النسائي، وهو ما يوحي بجو المرح والمداعبة .
وروى [color:692b=800000]أبو داود في سننه عن [color:692b=800000]عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها كانت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر وهي جارية، فقال لأصحابه: ( [color:692b=008000]تقدموا، فتقدموا، ثم قال: تعالي أسابقك، فسابقته، فسبقته على رجلي، فلما كان بعد خرجت معه في سفر فقال لأصحابه: تقدموا، ثم قال: تعالي أسابقك، ونسيت الذي كان، وقد حملت اللحم (زاد وزني)[color:692b=008000] فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله وأنا على هذه الحال؟!، فقال: لتفعلن، فسابقته فسبقني، فقال: هذه بتلك السبقة ) رواه [color:692b=800000]أبو داود .
وفي مرضه - صلى الله عليه وسلم - الذي مات فيه، كان من حبه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ[color:692b=800000]لعائشة ـ رضي الله عنها ـ أنه كان يسأل نساءه: ( [color:692b=008000]أين أنا غدًا؟ )، ففهمن أنه يريد يوم [color:692b=800000]عائشةـ رضي الله عنها ـ، وكان أول ما بدأ مرضه في بيت [color:692b=800000]ميمونة ـ رضي الله عنها ـ .
عن [color:692b=800000]عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( [color:692b=008000]إن من نعم الله علىَّ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تُوفي في بيتي وفي يومي وبين سَحْرِي ونَحْرِي (على صدري)[color:692b=008000]،[color:692b=008000] وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته، دخل [color:692b=800000]عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟، فأشار برأسه أن نعم، فتناولته فاشتد عليه، وقلت: ألينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فلينته فأمرَّه (استاك به) ) رواه [color:692b=800000]البخاري .
[color:692b=0000ff]فائدة : الحب لا ينسي العدل:
المحبة بين الزوج وزوجته لا تسوغ الظلم، أو التهاون في أمر الله والحيدة عن الحق، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تحمله محبة [color:692b=800000]عائشة ـ رضي الله عنها ـ على الجَوْر في القسمة بينها وبين سائر أزواجه، فكان شديد العدل بينهن في كل صغيرة وكبيرة، فعن [color:692b=800000]عائشة ـ رضي الله عنها ـقالت: ( [color:692b=008000]يا ابن أختي: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يفضل بعضنا على بعض في القسْم من مكثه عندنا ) رواه [color:692b=800000]أبو داود،[color:692b=800000] وفي رواية أخرى كان يقول: ( [color:692b=008000]اللَّهمَّ هذا فِعْلي فيما أملِكُ، فلا تَلُمني فيما تملك ولا أملك ) رواه [color:692b=800000]النسائي، ومعنى قوله ـ صلى الله عليه وسلم : ( [color:692b=008000]لا تلمني فيما تملك ولا أملك ) أي الحب والمودة القلبية .
قال [color:692b=800000]النووي: " أي: في محبة القلب " .
وقال [color:692b=800000]أبو بكر الخرائطي: " يريد النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يطيق العدلَ بينهن في النفقة عليهن والقسمة بينهن، ولا يطيق العدل بينهن في المحبة " .
وعن [color:692b=800000]أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( [color:692b=008000]من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى، جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل ) رواه [color:692b=800000]النسائي .
وذات يوم غارتْ [color:692b=800000]عائشة ـ رضي الله عنها ـ من ثناء النبي - صلى الله عليه وسلم - على[color:692b=800000]خديجة ـ رضي الله عنها ـ فقالت: ( [color:692b=008000]ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق (كبيرة السن)[color:692b=008000]، قد أبدلك الله - عز وجل - بها خيرًا منها، فقال: صلى الله عليه وسلم ـ: ما أبدلني الله - عز وجل - خيرًا منها، قد آمنتْ بي إذ كفر بي الناس، وصدَّقتْني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها ) رواه [color:692b=800000]أحمد .
لقد كان الحب في قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - وزوجه الطاهرة أم المؤمنين [color:692b=800000]عائشة ـ رضي الله عنها ـ شمساً ترسل أشعتها في حياة كل الأزواج، كي يستضيئوا بضيائها، ولنا في البيت النبوي الأسوة والقدوة، قال الله تعالى : { [color:692b=0000ff]لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا }(الأحزاب:21 ) .