الولاءُ والبراءُ
في الإسلام
للشيخ / صالح بن فوزان الفوزان
خرَّج أحاديثه وضبطه وعلَّق عليه
عادل نصار
رئيس اللجنة العلمية
جمعية دار الكتاب والسنة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه،وبعد:
فإنَّه بعدَ محبةِ اللهِ ورسولهِ تجبُ محبةُ أولياءِ اللهِ ومعاداةِ أعدائِه.
فمن أصولِ العقيدةِ الإسلاميةِ أنَّه يَجبُ على كلِ مسلمٍ يَدينُ بهذه العقيدةِ أنْ يوالىَ أهلهَا ويعادىَ أعداءَها فيحبُ أهلَ التوحيدِ والإخلاصِ ويواليهِم، ويُبغِضُ أهلَ الإشراكِ ويعاديهِم، وذلك من ملةِ إبراهيمَ والذين معه،الذين أُمِرْنَا بالاقتداءِ بهم،حيث يقولُ سبحانه وتعالى
قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) (الممتحنة:4).
وهو منْ دينِ محمدٍ عليه الصلاةُ والسلامُ.قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ). (المائدة:51)
وهذه في تحريمِ موالاةِ أهلِ الكتابِ خصوصاً وقال في تحريمِ موالاةِ الكفارِ عموماً
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) (الممتحنة:1)
بل لقد حرَّم على المؤمنِ موالاةَ الكفارِ ولو كانوا من أقربِ الناسِ إليه نَسَباً،قال تعالى
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ).(التوبة:23).
وقال تعالى
لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ).(المجادلة:22)
وقد جَهِلَ كثيرٌ منْ الناسِ هذا الأصلَ العظيمَ،حتى لقد سمعتُ بعضَ المنتسبينَ إلى العلمِ والدعوةِ في إِذاعةٍ عربيةٍ يقولُ عن النصارى : إنَّهُم إِخوانُنا،ويا لها من كلمةٍ خطيرةٍ.
وكما أنَّ اللهَ سبحانه حرَّم مولاةَ الكفارِ أعداءِ العقيدةِ الإسلاميةِ فقد أوجبَ سبحانه موالاةَ المؤمنين ومحبتَهم، قال تعالى
إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(55)وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ ).(المائدة:55).
وقال تعالى
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ).(الفتح:29).
وقال تعالى
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ).(الحجرات:10).
فالمؤمنون إخوةٌ في الدينِ والعقيدةِ وإنْ تباعدتْ أنسابُهم وأوطانُهمْ وأزمانُهم قال تعالى: ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ).(الحشر:10).
فالمؤمنون منْ أولِ الخليقةِ إلى آخرِها مهما تباعدتْ أوطانُهم وامتدتْ أزمانُهم إخوةٌ متحابون يَقتدي أخرُهم بأولهِم ويدعو بعضُهم لبعضٍ ويستغفرُ بعضهُم لبعضٍ.
وللولاءِ والبراءِ مظاهر تدلُ عليهما:
أولاً
من مظاهرِ مولاةِ الكفارِ
1- التشبُهُ بهم في الملبسِ والكلامِ وغيرِهما:
لأنَّ التشبُهَ بهم في الملبسِ والكلامِ وغيرِهما يدلُ على محبةِ المتشبَّهِ به،ولهذا قال النبي r :
( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ). ()
فيَحْرُمُ التشبهُ بالكفارِ فيما هو من خصائِصِهم مِنْ عاداتِهم،وعباداتِهم ، سِمَتِهمْ وأخلاقِهم كحلقِ اللحى وإطالةِ الشواربِ،والرطانةِ بلغتِهم إلا عندَ الحاجةِ،وفي هيئةِ اللباسِ، والأكلِ والشربِ وغيرِ ذلك.
2-الإقامةُ في بلادِهم وعدمُ الانتقالِ منْها إلى بلادِ المسلمينَ لأجلِ الفرارِ بالدينِ:
لأنَّ الهجرةَ بهذا المعنى،ولهذا الغرضِ واجبةٌ على المسلمِ.لأنَّ إقامتَه في بلادِ الكفارِ تدلُ على موالاةِ الكافرينَ- ومنْ هنا حرَّم اللهُ إقامةَ المسلمِ بينَ الكفارِ إذا كانَ يقدرُ على الهجرةِ،قالَ تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا(97)إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا(98)فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوَّاً غَفُورًا ).(النساء:97-98).
فلمْ يعذرْ اللهُ في الإقامةِ في بلادِ الكفارِ إلا المستضعفينَ الذين لا يستطيعونَ الهجرةَ.وكذلك منْ كان في إقامتهِ مصلحةٌ دينةٌ كالدعوةِ إلى اللهِ ونشرِ الإسلامِ في بلادِهم.
3-السفرُ إلى بلادِهم لغرضِ النُزْهةِ ومتعةِ النَّفْسِ.
والسفرُ إلى بلادِ الكفارِ محرَّمٌ إلا عندَ الضرورةِ كالعلاجِ والتجارةِ والتعليمِ للتخصصاتِ النافعةِ التي لا يمكنُ الحصولُ عليها إلا بالسفرِ إليهم فيجوزُ بقَدْرِ الحاجةِ،وإذا انتهتْ الحاجةُ وجبَ الرجوعُ إلى بلادِ المسلمينَ.
ويُشتَرَطُ كذلك لجوازِ هذا السفرِ أنْ يكونَ مُظهِرَاً لدينِهِ معتزاً بإسلامِهِ مبتعداً عن مواطنِ الشرِ،حَذِراً منْ دسائسِ الأعداءِ ومكائِدِهم،وكذلك يجوزُ السفرُ أو يجبُ إلى بلادِهم إذ كان لأجلِ الدعوةِ إلى اللهِ ونشرِ الإسلامِ.
4-إعانتُهمْ ومناصرَتُهم على المسلمينَ ومدحُهم والذبُ عنْهُم.
وهذا- من نواقضِ الإسلامِ وأسبابِ الرِدَّةِ – نعوذُ باللهِ منْ ذلك.
5-الاستعانةُ بهم والثقةُ بهم وتوليتُهم المناصبَ التي فيها أسرارُ المسلمينَ واتخاذهمُ بِطانةً ومستشارينَ.
قال تعالى
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ(118)هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الْأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ).(آل عمران:118-120).
فهذه الآياتُ الكريمةُ تَشرحُ دخائلَ الكفارِ وما يَكُنُّونَهُ نحوَ المسلمينَ منْ بُغضٍ ما يُدبِّرونَه ضِدهمْ منْ مكرٍ وخيانةٍ وما يُحِبونَه من مَضَرةِ المسلمينَ وإيصالِ الأذى إليهم بكلِ وسيلةٍ،وأنَّهم يستغلونَ ثقةَ المسلمينَ بهم فيُخَطِطونَ للإضرارِ بِهمْ والنيلِ منهم.
روى الإمامُ أحمدُ عن أبي موسى الأشعري t -قال: قلتُ لعمرَt :لي كاتبٌ نصرانيٌ ،قال: مالَكَ قاتلَكَ اللهُ ، أما سمعتَ قولَه تعالى ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ).(المائدة:51).ألا اتخذتَ حنيفاً ! قلتُ: يا أميرَ المؤمنينَ لي كتابتُه وله دينُه ، قال:لا أُكرمُهم إذ أهانَهم اللهُ ، ولا أُعزُهم إذ أَذلَهم اللهُ ، ولا أُدينهم وقد أقصاهم اللهُ .
وروي الأمام أحمد ومسلم أن النبي r خَرَج إلى بَدْرٍ فَتَبِعَهُ رَجُلٌ مِنْ المشركين فَلحِقَه عند الحَرةِ فقال: إِني أَردتُ أنْ ِأَتَّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ، قَالَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ لا ، قَالَ : ارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ ) () ومن هذه النصوصِ يتبينُ لنا تحريمُ توليةِ الكفارِ أعمالَ المسلمينَ التي يتمكنونَ بواسطتِها من الاطلاعِ على أحوالِ المسلمينَ وأسرارِهم ويكيدونَ لهم بإلحاقِ الضررِ بِهم
ومن هذا ما وقعَ في هذا الزمانِ من استقدامِ الكفارِ إلى بلادِ المسلمينَ - بلاد الحرمين الشريفين- وجعلِهم عمالاً وسائقينَ ومستخدمينَ ومربينَ في البيوتِ وخلطِهم مع العوائِلِ، أو خلطِهم مع المسلمينَ في بلادِهم.
6-التأريخُ بتاريخِهم خصوصاً التاريخُ الذي يعبرُ عن طقوسِهم وأعيادِهم كالتاريخِ الميلادي
والذي هو عبارةٌ عن ذكرى مولدِ المسيحِ عليه السلامُ، والذي ابتدعوه منْ أنفسِهم وليس هو منْ دينِ المسيحِ عليه السلامُ، فاستعمالُ هذا التاريخِ فيه مشاركةٌ في إحياءِ شعارِهمْ وعيدِهم.
ولِتَجَنْبِ هذا لما أرادَ الصحابةُ - رضي اللهُ عنهم-وضعَ تاريخٍ للمسلمينَ في عهدِ الخليفةِ عمرَt عَدَلوا عنْ تواريخِ الكفارِ، وأرَّخوا بهجرةِ الرسولِ r مما يدلُ على وجوبِ مخالفةِ الكفارِ في هذا وفي غيرِه مما هو منْ خصائصِهم- والله المستعان.
7-مشاركتُهم في أعيادِهم أو مساعدتُهم في إقامتِها أو تهنئتُهم بمناسبتِها أو حضورُ إقامتِها
وقد فُسِرَ قولُه سبحانَهُ وتعالى: ( وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ).(الفرقان:72).
أي ومنْ صفاتِ عبادِ الرحمنِ أنَّهمْ لا يَحضرونَ أعيادَ الكفارِ.
8-مدحُهم والإشادةُ بما همْ عليه من المدنيةِ والحضارةِ والإعجابِ بأخلاقِهم ومهاراتِهم دونَ نظرٍ إلى عقائدِهمْ الباطلةِ ودينِهمُ الفاسدِ
قالَ تعالى: ( وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ).(طه131).
وليس معنى ذلك أنَّ المسلمينَ لا يتخذونَ أسبابَ القوةِ منْ تَعلُّمِ الصناعاتِ ومقوماتِ الاقتصادِ المباحِ والأساليبِ العسكريةِ بلْ ذلك مطلوبٌ، قالَ تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ). (الأنفال60).
وهذه المنافعُ والأسرارُ الكونيةُ هي في الأصلِ للمسلمينَ،قالَ تعالى
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ).(الأعراف:32).
وقال تعالى : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ).(الجاثية:13).
وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ).(البقرة:29.)
فالواجبُ أنْ يكونَ المسلمونَ سباقينَ إلى استغلالِ هذه المنافعِ وهذه الطاقاتِ،ولا يسْتَجدونَ الكفارَ في الحصولِ عليها،بلْ أنْ يكونَ لهمْ مصانعُ وتقنياتٌ.
9-التسمي بأسمائِهمْ
بحيثُ يُسمِّي بعضُ المسلمينَ أبنائَهم وبناتِهم بأسماءٍ أجنبيةٍ ويتركونَ أسماءَ آبائِهم وأُمهاتِهم وأجدادِهم وجداتِهم والأسماءَ المعروفةَ في مجتمعِهم.وقد قال النبيُ r : (خَيْرُ الْأَسْمَاءِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ) () وبسببِ تغييرِ الأسماءِ فقد وُجِدَ جيلٌ يحملُ أسماءً غريبةً ، مما يسببُ الانفصالَ بينَ هذا الجيلِ والأجيالِ السابقةِ ويقطعُ التعارفَ بينَ الأسرِ التي كانتْ تُعرفُ بأسمائِها الخاصةِ.
10-الاستغفارُ لهمْ والترحمُ عليهِم
وقد حرَّم اللهُ ذلك بقولِه تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ).(التوبة113).لأنَّ هذا يتضمنُ حبَّهمْ وتصحيحَ ما همْ عليهِ.
ثانياً
من مظاهر موالاة المؤمنين
1-الهجرةُ إلى بلادِ المسلمينَ وهجرُ بلادِ الكافرينَ
والهجرةُ هي الانتقالُ منْ بلادِ الكفارِ إلى بلادِ المسلمينِ لأجلِ الفرارِ بالدينِ
والهجرةُ بهذا المعنى ولأجلِ هذا الغرضِ واجبةٌ وباقيةٌ إلى طلوعِ الشمسِ منْ مغربِها عندَ قيامِ الساعةِ وقد تبرأَ النبيُ r منْ كلِ مسلمٍ يُقيمُ بينَ المشركينَ فتَحْرُمُ على المسلمِ الإقامةُ في بلادِ الكفارِ إلا إذا كانَ لا يستطيعُ الهجرةَ منْها . أوكانَ في إقامتِهِ مصلحةٌ دينيةٌ كالدعوةِ إلى اللهِ ونشرِ الإسلامِ . قال تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً(97)إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً(98)فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوَّاً غَفُوراً ).
(النساء:97-98).
2-مناصرةُ المسلمينَ ومعاونتُهمْ بالنفسِ والمالِ واللسانِ فيما يحتاجونَ إليهِ في دينِهمْ ودنياهُمْ
قال تعالى
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ). (التوبة: 71 )
وقال تعالى : ( وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ )
( الأنفال :72 ) .
3- التألمُ لألمِهمْ والسرورُ بسرورِهمْ
قال النبي r : (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بالْحُمَّى والسَّهَرِ ) () .
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام
الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ )
4-النصحُ لهمْ ومحبةُ الخيرِ لهمْ وعدمُ غشِهِمْ وخديعتِهِمْ
قال r : ( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ). ()
وقال r : ( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَحْقِرُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ ولايُسْلِمُهُ ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ) . ()
وقال عليه الصلاة والسلام : ( لا تَبَاغَضُوا وَلا تَدَابَرُوا وَلا تَنَاجَشُوا ولايَبعْ بَعضُكُمْ عَلى بَيعِ بعضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخوانَاً ) . ()
5- احترامُهمْ وتوقيرُهمْ وعدمُ تَنَقْصِهِمْ وعيبِهم
قال تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ(11)يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) . ( الحجرات : 11-12).
6- أنْ يكونَ معهمْ في حالِ العسرِ واليسرِ والشدةِ والرخاءِ
بخلافِ أهلِ النفاقِ الذين يكونونَ مع المؤمنينَ في حالِ اليسرِ والرخاءِ ويتخلَّونَ عنْهم في حالِ الشدةِ .
قال تعالى: ( الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنْ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ). (النساء :141).
7-زيارتُهمْ ومحبةُ الالتقاءِ بهمْ والاجتماعِ معهمْ
وفي الحديثِ القدسيِّ
وَجَبَتْ مَحَبَّتِي للْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ ). () وفي حديث أخر (أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخاً لَهُ فِي اللهِ فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكاً فسأله أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ: أزورُ أَخاً لِي فِي اللهِ، قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا قَالَ: لَا ، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ ). ()
8-احترامُ حقوقِهمْ
فلا يبيعُ على بيعِهمْ ولا يَسُومُ على سَوْمِهمْ ولا يخطِبُ على خِطبتِهم ولا يَتَعرَّضُ لما سَبقوا إليهِ منْ المباحاتِ.
قال r : ( ألالايَبعْ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطبَتِهِ). () وفي رواية ( ولايَسُمْ على سَوْمِهِ) . ()
9-الرفق بضعافهم
كما قال النبي r : ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا ). () وقال r (هل تُنْصَرُونَ وتُرْزَقُونَ إلابِضُعَفَائِكُمْ ). ()
وقال تعالى: ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُنْيا).(الكهف:28)
10-الدعاءُ لهمْ والاستغفارُ لهمْ
قال تعالى: ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ).(محمد19).
وقال سبحانه
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ).(الحشر 10).
تنبيه :
وأما قولُه تعالى
لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).(الممتحنة:
.
فمعناه أنَّ منْ كَفَّ أذاهُ منْ الكفارِ فلمْ يُقاتلْ المسلمينَ ولمْ يُخرجْهُمْ منْ ديارِهمْ فإنَّ المسلمينَ يقابلونَ ذلك بمكافأتِه بالإحسانِ والعدلِ مَعَهُ في التعاملِ الدنيويِّ ولا يُحِبُونَهُ بقلوبِهم لأنَّ اللهَ قالَ : ( أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ). ولم يقلْ توالونَهمْ وتُحبونَهمْ.
ونظيرُ هذا قولُه تعالى في الوالدينِ الكافرينِ:
( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِليَّ ).(لقمان:15).
( وقد جاءَتْ أُمُ أَسْمَاءَ إليها تطلُبُ صِلَتَها وهيَ كافِرةٌ فَاستَأذَنتْ أسماءُ رَسُولَ اللَّهِ r في ذلك فَقَالَ لها: صِلِي أُمَّكِ ) . ()
وقد قال اللهُ تعالى : ( لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ ).(المجادلة:22).
فالصلةُ والمكافأةُ الدنيويةُ شيءٌ ،والمودةُ شيءٌ أخرُ.
ولأنَّ في الصلةِ وحسنِ المعاملةِ ترغيباً للكفارِ في الإسلامِ فَهُما منْ وسائلِ الدعوةِ بخلافِ المودةِ والموالاةِ فهما يدلانِ على إقرارِ الكافرِ على ما هو عليه والرضى عنه وذلك يسببُ عدمَ دعوتِه إلى الإسلامِ.
وكذلك تحريمُ موالاةِ الكفارِ لا تَعني تحريمَ التعاملِ معهمْ بالتجارةِ المباحةِ واستيرادِ البضائعِ والمصنوعاتِ النافعةِ والاستفادةِ منْ خبراتِهم ومخترعاتِهم .
فالنبيُّ r أستأجرَ ابنَ أريقط الليثيِّ ليدلَّه على الطريقِ وهو كافرٌ واستدانَ منْ بعضِ اليهودِ.
وما زالَ المسلمونَ يستوردونَ البضائعَ والمصنوعاتِ منْ الكفارِ وهذا منْ بابِ الشراءِ منْهمْ بالثمنِ وليسَ لهمْ علينا فيهِ فضلٌ ومِنّةٌ.
وليس هو منْ أسبابِ محبتِهمْ وموالاتَهم ،فإنَّ اللهَ أوجبَ محبةَ المؤمنينَ وموالاتهمْ وبُغضَ الكافرينَ ومعاداتهم .
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ).(الأنفال:72) إلى قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ) (الأنفال:73).
قال الحافظ ابن كثير : ومعنى قوله : (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ )
أي إِنْ لمْ تُجانبوا المشركينَ وتوالوا المؤمنينَ وإلا وقعتْ فتنةٌ في النَّاسِ وهو التباسُ الأمرِ واختلاطُ المؤمنينَ بالكافرينَ فيقعُ في الناسِ فسادٌ منتشرٌ عريضٌ طويلٌ …) انتهى..قلتُ: وهذا ما حصلَ في هذا الزمانِ، واللهُ المستعانُ.
أقسامُ الناسِ فيما يجبُ في حقِهمْ
منْ الولاءِ والبراءِ
الناسُ في الولاءِ والبراءِ على ثلاثةِ أقسامٍ :
القسمُ الأولُ :منْ يُحَبُ محبةً خالصةً لا معادةَ معها
وهم المؤمنونَ الخُلَّصُ منْ الأنبياءِ والصديقينَ والشهداءِ والصالحينَ.
وفي مقدمتِهِمْ رسولُ اللهِ r فإنَّه تجبُ محبتُهُ أكثرَ منْ محبةِ النفسِ والوالدِ والولدِ والناسِ أجمعينَ .
ثم زوجاتُه أمهاتُ المؤمنينَ وأهلُ بيتِهِ الطيبونَ وصحابتُه الكرامُ –خصوصاً - الخلفاءُ الراشدونَ وبقيةُ العشرةِ والمهاجرونَ والأنصارُ وأهلُ بدرٍ وأهلُ بيعةِ الرضوانِ ثم بقيةُ الصحابةِ – رضي اللهُ عنهم –أجمعين.
ثمَّ التابعونَ والقرونُ المفضلةُ وسلفُ هذه الأمةِ وأئمتُها كالأئمةِ الأربعةِ .
قال تعالى : (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ). ( الحشر :10).
ولا يُبغضُ الصحابةَ وسلفَ هذه الأمةِ مَنْ في قلبِه إيمانٌ
وإنما يُبغِضهمْ أهلُ الزَّيْغِ والنفاقِ وأعداءُ الإسلامِ كالرافضةِ والخوارجِ ، نسألُ اللهَ العافيةَ .
القسمُ الثانى: منْ يُبغضُ ويُعادَى بُغضاً ومعاداةً خالصيْنِ لا محبةَ ولا موالاةَ معهما
وهم الكفارُ الخُلَّصُ من الكفارِ والمشركينَ والمنافقينَ والمرتدينَ والملحدينَ على اختلافِ أجناسِهمْ .
كما قال اللهُ تعالى
لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ). ( المجادلة :22 ).
وقال تعالى ،عائباً على بني إسرائيل : ( تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ(80)وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ). ( المائدة :79-80).
القسم الثالث : من يُحَبُ من وجهٍ ويُبغَضُ منْ وجهٍ
فتجتمعُ فيه المحبةُ والعداوةُ وهمْ عصاةُ المؤمنينَ . يُحَبونَ لِمَا فيهمْ منْ الإيمانِ ويُبْغَضونَ [] لما فيهم منْ المعصيةِ التي هي دونَ الكفرِ والشركِ .
ومحبتُهمْ تَقتضي مُناصحَتَهمْ والإنكارَ عليهمْ. فلا يجوزُ السكوتُ على معاصيِهِمْ بلْ يُنكَرُ عليهِمْ . ويُؤمرونَ بالمعروفِ ويُنهونَ عنْ المُنكرِ وتُقامُ عليهم الحدودُ والتعزيراتُ حتى يكفُّوا عنْ معاصيِهم ويتوبوا منْ سيئاتِهمْ .
ولكنْ لا يُبغضونَ بُغضاً خالصاً ويُتبرأُ منْهم كما تقولُه الخوارجُ في مرتكبِ الكبيرةِ التي هي دونَ الشركِ .
ولا يُحبونَ ويُوالوْنَ حُباً وموالاةً خالصيْن كما تقولُه المرجئةُ بل يُعتدلُ في شأنِهم على ما ذكرنا كما هو مذهبُ أهلِ السنةِ والجماعةِ .
والحبُ في اللهِ والبغضُ في اللهِ أوثقُ عُرى الإيمانِ ، والمرءُ مع منْ أَحبَّ يومَ القيامةِ كما في الحديثِ . ()
وقد تغيرَ الوضعُ وصارَ غالبُ موالاةِ الناسِ ومعاداتهم لأجلِ الدنيا فمنْ كان عنده طمعٌ منْ مطامعِ الدنيا والوْهُ وإنْ كانَ عدواً للهِ ولرسولِهِ ولدينِ المسلمينَ .
ومنْ لمْ يكنْ عنده طمعٌ منْ مطامعِ الدنيا عادوْهُ ولو كانَ ولياً للهِ ولرسولِهِ عند أدنى سببٍ وضايقوه واحتقروه .
وقد قال عبدُ اللهِ بنُ عباسٍ – رضى اللهُ عنهما -:
( مَنْ أَحَبَ فِي اللهِ وأبغضَ في اللهِ ووالى في اللهِ وعادى في اللهِ فإنما تُنالُ وَلايةُ اللهِ بذلك ، وقدْ صارتْ عامةُ مُؤاخاةُ الناسِ على أمرِ الدُنيا وذلك لا يُجدي على أهلِهِ شَيئاً ) رواه ابن جرير
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إِنَّ اللَّهَ تعالى قَالَ: ( مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ) الحديث رواه البخاري . ()
وأشدُ الناسِ محاربةً للهِ مَنْ عادى أصحابَ رسولِ اللهِ r وسبَّهم وتنَقصهمْ
وقد قال r : (اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضاً ، فمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ وَمَنْ آذَى اللَّهَ يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ ) . أخرجه الترمذيُ وغيرُه ()
وقد صارتْ معاداةُ الصحابةِ وسبُّهم ديناً وعقيدةً عند بعضِ الطوائفِ الضالةِ .
نعوذُ باللهِ منْ غضبِهِ وأليمِ عقابِهِ، ونسألُهُ العفوَ والعافيةَ، وصلى اللهُ وسلَّمَ وباركَ علي نبيِنا محمدٍ وآلِهِ وصحبِه .
تّمت